حقائق سريعة
- نادى سلطان باشا الأطرش في الثورة التي انطلقت من جبل العرب بدولة عربية موحّدة ومستقلة. وتمدّدت نيران هذه الثورة إلى كافة أرجاء الجغرافية السورية وشملت أيضاً قسماً كبيراً من جبل لبنان، وهدّدت الوجود الفرنسي في قلب الشرق العربي، وسجّلت صفحة مشرقة من التاريخ العربي.
- طوال حياته كان الأطرش حاضرًا في الحياة السياسية الثورية حتى في شيخوخته، وأبقته رمزيته الوطنية وقيمته الأخلاقية على اتصال دائم بالحركة السياسية السورية.
- في الكتاب الذهبي للثورات الوطنية، يوثّق الكاتب والصحافي السوري منير الريس أنّ أول قوة عربية دخلت دمشق هي قوة سلطان باشا الأطرش المؤلفة من محاربي جبل الدروز، ويقول إنّها سبقت الجيش العربي في ذلك.
- عام 1920جهز سلطان قوات كبيرة لنجدت يوسف العظمة في ميسلون ولكنه سمع نبأ حسم المعركة وانكسار الجيش العربي واستشهاد القائد يوسف العظمة فقفل عائداً للسويداء ليجهز للمرحلة القادمة.
- كانت معركة المزرعة (2-3 آب 1925) أول معركة يعترف فيها الفرنسيون بخسارتهم في مستعمراتهم في العالم كله، وتؤكد العديد الروايات أن الحملة التي تجاوز عدد أفرادها 13000 أبيدت بالسيوف والفؤوس، وأن سلطان ورجاله كان يهجمون على الدبابات الفرنسية ويخرجون الجنود منها ويقضون عليهم. كان تعداد حملة الجنرال ميشو 13000، وقد هُزموا أمام 400 ثائر من جبل العرب.
معلومات نادرة
- بيان سلطان باشا الأطرش الصادر في 23 آب (أغسطس) 1925 معلناً بداية الثورة:إلى السلاح، إلى السلاحيا أحفاد العرب الأمجاد. هذا يوم ينفع المجاهدين من جهادهم، والعاملين في سبيل الحرية والاستقلال عملهم. هذا يوم انتباه الأمم والشعوب. فلننهض من رقادنا ولنبدد ظلام التحكم الأجنبي عن سماء بلادنا. لقد مضى علينا عشرات السنين ونحن نجاهد في سبيل الحرية والاستقلال، فلنستأنف جهادنا المشروع بالسيف بعد أن سكت القلم، ولا يضيع حق وراءه مطالب.أيها السوريون، لقد أثبتت التجارب أن الحق يؤخذ ولا يعطى، فلنأخذ حقنا بحد السيوف، ولنطلب الموت توهب لنا الحياة.أيها العرب السوريون، تذكروا أجدادكم وتاريخكم وشهداءكم وشرفكم القومي. تذكروا أن يد الله مع الجماعة، وأن إرادة الشعب من إرادة الله، وأن الأمم المتحدة الناهضة لا تنالها يد البغي. لقد نهب المستعمرون أموالنا، واستأثروا بمنافع بلادنا، وأقاموا الحواجز الضارة بين وطننا الواحد، وقسمونا إلى شعوب وطوائف ودويلات، وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير، وحرية التجارة والسفر، حتى في بلادنا وأقاليمنا.إلى السلاح أيها الوطنيون، إلى السلاح، تحقيقاً لأماني البلاد المقدسة. إلى السلاح تأييداً لسيادة الشعب وحرية الأمة. إلى السلاح بعدما سلب الأجنبي حقوقكم، واستعبد بلادكم، ونقض عهودكم، ولم يحافظ على شرف الوعود الرسمية، وتناسى الأماني القومية.نحن نبرأ إلى الله من مسؤولية سفك الدماء، ونعتبر المستعمرين مسؤولين مباشرة عن الفتنة. يا ويح الظلم لقد وصلنا من الظلم إلى أن نُهان في عقر دارنا. فنطلب استبدال حاكم أجنبي محروم من مزايا إنسانية، بآخر من بني جلدته الغاصبين، فلا يُجاب طلبنا بل يُطرد وفدنا كما تطرد النعاج.
إلى السلاح أيها الوطنيون، ولنغسل إهانة الأمة بدم النجدة والبطولة. إن حربنا اليوم هي حرب مقدسة. ومطالبنا هي:
1) وحدة البلاد السورية، ساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلة استقلالاً تاماً.
2) قيام حكومة شعبية تجمع المجلس التأسيسي لوضع قانون أساسي على مبدأ سيادة الأمة سيادة مطلقة.
3) سحب القوى المحتلة من البلاد السورية، وتأليف جيش وطني لصيانة الأمن.
4) تأييد مبدأ الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان في الحرية والمساواة والإخاء.
إلى السلاح، ولنكتب مطالبنا هذه بدمائنا الطاهرة كما كتبها أجدادنا من قبلنا.
إلى السلاح والله معنا. ولتحيا سوريا العربية حرة مستقلة.
سلطان الأطرش
قائد عام جيوش الثورة الوطنية السورية
سلطان باشا الأطرش.. القائد العام للثورة السورية الكبرى وموحد السوريين مرتين
1891- 1981/ سوري
قائد سياسي ومجاهد حمل لواء واحدة من أكثر الثورات العربية إلهامًا وتأثيرًا على مستقبل الشعوب العربية. بعد أن ساند الثورة العربية الكبرى ودعم المدّ العربي، وبعد الاستقلال تنزّه وترفّع عن أيّ منصب رسمي وعاد إلى بلدته وعمله بالزراعة.
جدول المحتويات
الولادة والنشأة:
ولد سلطان باشا الاطرش بتاريخ 5مارس عام 1891في قرية القريا بمنطقة صلخد بمحافظة السويداء في الجنوب السوري.
كان والده ذوقان بن مصطفى بن إسماعيل الثاني مؤسس المشيخة الطرشانية 1869، مجاهداً وزعيماً محلياً قاد معركة ضارية في نواحي الكفر عام 1910 ضد الدولة العثمانية. وقد حكمت عليه السلطات العثمانية بالإعدام وشنقته لتمرده عام 1911.
أما والدة سلطان فهي شيخة بنت إسماعيل الثاني، وهو كبير أخوته زيد ومصطفى، وله أختين هما سمية ونعايم.
الأعمال:
عند بلغ سلطان سن الشباب التحق بالخدمة العسكرية للدولة العثمانية في الأناضول، وهناك منحه السلطات العثمانية لقب باشا تقديراً لشجاعته في حروب العثمانيين مع دول أوروبا الشرقية (البلقان).
وبعد انتهاء خدمته العسكرية عاد الباشا إلى السويداء، وقد تزامن ذلك مع بداية الحرب العالمية الأولى.
اتصل سلطان الأطرش مع حركات التحرر العربية، وأصبحت بلدته القريا ملجأ ومأوى للثوار والمناضلين العرب، وقام برفع علم الثورة العربية على سطح منزله في القريا قبل أن يعيد رفعه مع رفاقه من ثوار السويداؤ في ساحة المرجة بدمشق عندما دخلوها في طليعة الجيش العربي بقيادة الملك فيصل. الذي منحه عند وصوله هو وجيشه إلى دمشق لقب باشا وكان ذلك في العام 1918.
وبعد دخول الفرنسيين دمشق بعد معركة ميسلون، ومن ثم احتلال كامل التراب السوري، قسمت سورية لعدة دويلات وعرضت علي الأطرش حكم جبل العرب (الدروز)، إلا أن سلطان رفض ذلك وفضّل البقاء ضمن التيار الإسلامي العربي.
عارض سلطان إنشاء الدولة الدرزية عام 1921 وقبل ذلك وبعده عارض بشدة الانتداب الفرنسي، فأرسل رفاقه للحاق بالملك فيصل الأول قبل إن يغادر على الطراد البريطاني في (حيفا)، برسالة شفهية نقلها حمد البربور إلى الملك فيصل الأول مفادها، دعوة الملك إلى السويداء (جبل العرب) لإقامة الدولة العربية هناك والاستمرار بالمقاومة. إلا أن جواب الملك فيصل كان: ” قل لسلطان، فات الأوان”.
من دخول غورو دمشق حتى إندلاع الثورة السورية الكبرى:
سعى الكولونيل كاترو الذي أرسله الجنرال غورو (الحاكم العسكري الفرنسي لدمشق) إلى جبل العرب إلى عزل الدروز عن الحركة الوطنية السورية، وفي 4 آذار عام 1921 وأبرم كاترو معاهدة مع العشائر الدرزية نصت على أن يؤلف جبل الدروز وحدة إدارية مستقلة عن دولة دمشق، ولها حاكم محلي ومجلس تمثيلي منتخبان، على أن يعترف الدروز بالانتداب الفرنسي على سورية، ونتيجة المعاهدة عين سليم الأطرش كأول حاكم درزي لجبل العرب.
ولكن سكان الجبل لم يرتاحوا للإدارة الفرنسية الجديدة، وحدث أول صدام بين الدروز والفرنسيين في تموز من عام 1922، على خلفية اعتقال المجاهد أدهم خنجر الذي كان قادماً إلى سلطان الأطرش حاملاً رسالة إليه، وقد اعتقله الفرنسيون بتهمة اشتراكه في الاعتداء على الجنرال غورو ورئيس حكومة دمشق حقي بك العظم في القنيطرة، وبعد أن قوبل طلب سلطان الأطرش من القائد الفرنسي في السويداء تسليمه أدهم خنجر بالرفض وأعلمه بأن خنجر في طريقه إلى دمشق. وعلى الفور جهز الأطرش مجموعة من أنصاره وهاجموا القافلة المسلحة المرافقة لخنجر والمكونة من ثلاث عربات مصفحة، حيث استطاع الأطرش ورفاقه تدمير عربتين وقتل من فيها بينما لازت الثالثة بالفرار وكانت تحمل أدهم خنجر الذي نقله الفرنسيون إلى لبنان وفي 30 أيّار عام 1923 أعدموه في بيروت.
وبعدها قام الفرنسيون بتدمير منزل سلطان باشا الأطرش في القريا في أواخر آب عام 1922، رداً على هجومه على قواتهم، وعندها قاد الأطرش الثوار الدروز طيلة عام في حرب عصابات ضد القوات الفرنسية، واستقدمت فرنسا قوات كبيرة للقضاء على الثوار مما اضطر الأطرش إلى اللجوء إلى الأردن في أواخر صيف من عام 1922. وتحت الضغط البريطاني سلم الأطرش نفسه للفرنسيين في نيسان عام 1923 بعد أن اتفق معهم على عقد هدنة.
وفي عام 1924 توفي سليم الأطرش مسموماً في دمشق، وعين الفرنسيون الكابتن كاربييه Carbillet حاكماً على الجبل خلافاً للاتفاق المبرم مع الدروز، حيث راح ينكل بالأهالي ويعرضهم للسجون وأعمال السخرة والملاحقة، كما عمل على تطبيق سياسة فرق تسد بإثارة الفلاحين ضد الاقطاعيين وعلى رأسهم آل الأطرش، وهو ما دفع أهالي مدينة السويداء إلى الخروج في مظاهرة عارمة احتجاجاً على ممارسات السلطات الفرنسية، الأمر الذي سرع بموعد اندلاع الثورة.
بداية الثورة السورية الكبرى:
ضاق الدروز ذرعاً من ممارسات الكابتن كاربييه، مما دفعهم لإرسال وفد إلى بيروت في 6 حزيران من العام 1925 لتقديم وثيقة تطالب المفوض السامي موريس بول ساراي بتعيين حاكم درزي على الجبل بدلاً من الكابتن كاربييه، ولكن المفوض السامي ساراي طرد وفد الجبل ورفض مقابلتهم وهددهم بالنفي إلا تدكر إذا لم يغادروا بيروت على وجه السرعة، فكان ذلك بمثابة قطع الشعرة التي كانت تربط الدروز بسلطات الاحتلال الفرنسي، والسبب المباشر لاندلاع الثورة السورية.
دعا سلطان باشا الأطرش إلى عقد اجتماع في السويداء وبعد الاجتماع طافت المظاهرات أنحاء الجبل، كما جرى الاتصال مع عدد من الزعماء السياسيين الوطنيين في دمشق على رأسهم الدكتور عبد الرحمن الشهبندر رئيس حزب الشعب للتشاور وتنسيق المواقف.
ومع أن حزب الشعب كان قد أعلن عن سعيه لتحقيق مبادئه بالطرق القانونية المشروعة، إلا أن عدد من أعضاءه تعاهدوا بصفة شخصية مع وفد جبل العرب على إشعال نار الثورة في سورية، والتقت أهداف الطرفين على التعاون والتعاضد من أجل طرد الفرنسيين من سورية وتحقيق الاستقلال والوحدة.
بدأ عبد الرحمن الشهبندر الاتصال بزعماء ووجهاء المدن السورية كافة يحثهم على الثورة ضد الاستعمار الفرنسي ويشحذ هممهم، ولنفس الغاية اجتمع الشهبندر مع الوجيه محمد بك العيّاش في دمشق واتفق معه على مد الثورة إلى المنطقة الشرقية، واستطاع العيّاش تشكيل مجموعات ثورية لضرب القوات الفرنسية في مدينة دير الزور، وبالفعل وجه الثوار ضربات مؤلمة للقوات الفرنسية كان أخرها قتل ضباط فرنسيين في منطقة عين البو جمعة على طريق دير الزور الرقة، ونتيجة الحادثة قامت الطائرات الفرنسية بقصف القرى قصفاً مدمراً وتهدمت البيوت على رؤوس الأطفال والنساء واشتعلت النيران في المزروعات والبيادر، وهلكت الماشية.
أحداث الثورة السورية الكبري:
بدأ سلطان باشا الأطرش بشن الهجمات المسلحة على القوات الفرنسية، فقام بحرق دار المفوضية الفرنسية في صلخد ثاني أكبر مدينة في الجبل بعد السويداء واحتلها. وفي 23 آب من عام 1925 أصدر سلطان باشا الأطرش بيانه الشهير ” إلى السلاح”، والذي دعى فيه إلى طرد المستعمر عن الأرض السورية، وإلى استقلال ووحدة سوريا.
وفي أوائل أيلول من عام 1925 هاجم الأطرش قوة فرنسية في بلدة الكفر بقيادة الكابتن نورمان وفتك رجاله بها ولم يفلت من الفرنسيين إلا بضعة أفراد، ولم يكن عدد الثوار يزيد عن مئتين بينما تجاوز عدد الجنود المائتين والستين بينهم عدد كبير من الضباط الفرنسيين، وقتل في المعركة أربعون ثائراً منهم مصطفى الأطرش شقيق سلطان باشا الأطرش.
معركة المزرعة:
أصابت هذه الهزيمة ساراي بالجنون فأمر بتجهيز حملة كبيرة لتأديب الثوار يتجاوز عددها 13000 ألف جندي وعلى رأسها الجنرال ميشو وهي مجهزة بأحسن العتاد وأحدث الآلات ومدعومة بالطائرات الحربية، وفي اليوم الأول من أب عام 1925 اشتبكت الحملة مع قوات الثوار، وما إن حل المساء حتى هاجم الثوار مؤخرة القوات الفرنسية حيث الذخائر والمؤن واستولوا عليها وقتلوا الكثير من الجنود الفرنسيين، وفي صباح اليوم التالي تقدم مئة وسبعة عشر مجاهداً من السويداء ولحق بهم أربعمائة مجاهد من أهالي مجدل ونجران وسليم وغيرها من القرى القريبة، واشتبكوا مع القوات الفرنسية في قرية المزرعة، حيث أبيدت القوات الفرنسية ولم يسلم منها إلا زهاء الألف ومائتي جندي فروا إلى السكة الحديدية في قرية أزرع ليستقلوا القطار الذاهب إلى العاصمة دمشق، وقتل في المعركة المجاهد حمد البربور وهو اليد اليمنى لسلطان باشا الأطرش.
اضطرت فرنسا بفعل هذه الهزائم إلى عزل مفوضيها الساميين وضباطها العسكريين في سورية وتعيين البدائل عنهم، كما حصل مثلاً مع المفـوض السامـي (سرايل) بعـد مهاجمة الثـوار لقصر العظـم بدمشق، فعينت المسيو (دي جوفنيل) وقصفت دمشق بالطيران لمدة 24 ساعة متواصلة كما أرسلت فرنسا أحد أبرز قياديها الجنرال (غاملان) بعد تزايد قوة الثوار وانتصاراتهم.
قررت قيادة الثورة مد نطاقها إلى الشمال لتخفيف الضغط على الجبل. فتوسعت الثورة حتى عمت الشمال السوري وغوطة دمشق والشاغور والساحل وحماه ودير الزور والقنيطرة، وغدت سوريا أرض ملتهبة في وجه الفرنسيين.
في أواخر تشرين الأول عام 1925، اجتمع ثوار الجبل في المقرن الشمالي ثم ساروا باتجاه الغرب ( القنيطرة وريف دمشق الغربي) فاحتلوا إقليم البلان ثم بلدة حاصبيا دون أدنى مقاومة من الحامية الفرنسية التي فضل قائدها الانسحاب عندما علم بوصول الثوار، ثم توجه الثوار إلى بلدة راشيا بعد أن علموا أن معركة قوية وقعت بين دروز البلدة وبين حاميتها الفرنسية، وبعد قتال شديد تمكنوا من دخول قلعتها واحتلالها.
وبعد أكثر من 105 معارك أهمها المزرعة والكفر وقلعة السويداء، ومعارك اللجاة الطولية، وبعد حوالي ثلاث سنوات من المعارك اليومية والاستبسال والاستشهاد الذي بلغ من السوياء أن فاق عدد الشهداء 4000 شهيد في بلد لا يزيد عدد القادرين على حمل السلاح فيه ستة عشر ألفاً، بعد كل ذلك دخل الثوار السوريون مرحلة الاستنزاف مع امتداد أمد الثورة، وعانوا من نقص الذخيرة والمؤن، وهو ما ساعد القوات الفرنسية على تشديد الخناق عليهم بجلب المزيد من القوات والنجدات المساندة، مما أضطر الثوار للنزوح إلى الأزرق في إمارة شرقي الأردن، ولم يمكنهم الإنكليز من المكوث طويلاً، فنزح سلطان الأطرش وجماعته من المجاهدين إلى وادي السرحان والنبك في شمال المملكة العربية السعودية، ثم إلى الكرك في الأردن، وقد رفض تسليم سلاحه إلى المستعمِر وحكم عليه بالإعدام.
أجبرت الثورة الفرنسيين على إعادة توحيد سورية بعد أن قسمتها إلى أربع دويلات: دمشق، وحلب، وجبل العلويين، وجبل الدروز… كما اضطرت إلى الموافقة على إجراء انتخابات فازت فيها المعارضة الوطنية بقيادة إبراهيم هنانو وهاشم الأتاسي.
وعاد سلطان الأطرش ورفاقه إلى الوطن بعد أن أصدرت فرنسا عفواً شاملاً عن كل المجاهدين إثر توقيع المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936، واستقبل سلطان ورفاقه في دمشق في 18 أيار عام 1937 باحتفالات شعبية كبيرة. وكان الباشا يعتبر أن الثورة قد دامت 12 عاماً، لأنّه ورفاقه رفضوا تسليم السلاح مما يعني استمرار الثورة وعدم الاستسلام للمستعمر.
سلطان باشا الأطرش بعد الثورة:
شارك سلطان باشا الأطرش بفعالية في الاحتجاجات السورية ضد الانتداب الفرنسي عام 1945، وقام حسن الأطرش حاكم الجبل حينها بطرد الفرنسيين من السويداء، مما جعل الانتفاضة تعم كل المدن السورية ولا نتهي إلا بجلاء المستعمر الفرنسي عن سوريا في 17 نيسان 1946.
وبعد الاستقلال عن فرنسا وأثناء حكم أديب الشيشكلي تعرض الأطرش لمضايقات كبيرة نتيجة اعتراضه على سياسة الحكم الديكتاتوري، وهوجم الجبل وطلب من الجيش إخضاع سلطان والجبل بالقوة، لكن سلطان باشا الأطرش رفض الاشتباك مع جيش بلده وقر مغادر الجبل إلى الأردن، وكان ذلك في كانون ثاني 1954، ونتيجة لذلك عندما عمّ الهياج أنحاء سورية من حمله مسقط رأس الشيشكلي حتى حوران والجزيرة، لاسيما بين الطلبة الذين كانوا في حالة إضراب مستمر، ولم يعد الأطرش إلى بلده إلا بعد سقوط الشيشكلي .
وبعدها بارك سلطان الوحدة العربية بين مصر وسورية عام 1958 وكان صديقاً وداعماً للرئيس جمال عبد الناصر. كما وقف بحزم وثبات ضد حكم الانفصال عام 1961.
وقد تفرغ الباشا من أيامه الأخيرة للنشاطات الاجتماعية والتنمية في الجبل، ورفض الأطرش أي مناصب سياسية عرضت عليه بعد الاستقلال.
الحياة الشخصية:
تزوج سلطان باشا الأطرش في سن التاسعة عشرة من عمره من غازية وهي ابنة عمه فايز، ولكنها توفيت بعد فترة قصيرة دون أن يرزق منها بأبناء.
و بعد عودته من الخدمة الإجبارية تزوج من ابنة الشيخ إبراهيم أبو فخر من بلدة نجران بسوريا واسمها تركية، ورزق منها جميع أولاده الذكور: طلال وفواز ويوسف وجهاد، الذين توفوا جميعاً، ومنصور وناصر وطلال، ومن الإناث، غازية وبتلاء وزمرد وتركية ونايفة وعائدة ومنتهى.
الوفاة:
توفي سلطان باشا الأطرش 26 مارس عام 1982 وحضر جنازته في 28/3/1982 أكثر من نصف مليون شخص. وأصدر رئيس الجمهورية رسالة حداد شخصية تنعى القائد العام للثورة السورية الكبرى. وأما وصية الباشا التي كتبها قبل وفاته فهذا نصها.
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني وأبنائي العرب…
” عزمتُ وأنا في أيامي الأخيرة، أنتظر الموت الحق، أن أخاطبكم مودّعاً وموصياً. لقد أولتني هذه الأمة قيادة الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي الغاشم، فنهضت بأمانة القيادة وطلبتُ الشهادة وأديتُ الأمانة. انطلقت الثورة من الجبل الأشمّ جبل العرب لتشمل وتعمّ، وكان شعارها: “الدين لله والوطن للجميع”، وأعتقد أنها حققت لكم عزة وفخاراً وللاستعمار ذلاً وانكساراً.
وصيتي لكم، إخوتي وأبنائي العرب هي أن أمامكم طريقاً طويلة ومشقة شديدة تحتاج إلى جهاد وجهاد: جهاد مع النفس وجهاد مع العدو. فاصبروا صبر الأحرار ولتكن وحدتكم الوطنية وقوة إيمانكم وتراصّ صفوفكم هي سبيلكم لردّ كيد الأعداء وطرد الغاصبين وتحرير الأرض. واعلموا أن الحفاظ على الاستقلال أمانة في أعناقكم بعد أن مات من أجله العديد من الشهداء وسالت للوصول إليه الكثير من الدماء. اعلموا أن وحدة العرب هي المنعة والقوة وأنها حلم الأجيال وطريق الخلاص. واعلموا أن ما أُخِذَ بالسيف، بالسيف يُؤخَذ، وأن الإيمان أقوى من كل سلاح، وأن كأس الحنظل في العز أشهى من ماء الحياة مع الذل وأن الإيمان يُشحَن بالصبر ويُحفَظ بالعدل ويُعَزّز باليقين ويُقوّى بالجهاد. عودوا إلى تاريخكم الحافل بالبطولات، الزاخر بالأمجاد لأني لم أرَ أقوى تأثيراً في النفوس من قراءة التاريخ لتنبيه الشعور وإيقاظ الهمم لاستنهاض الشعوب فتظفر بحريتها وتحقق وحدتها وترفع أعلام النصر. واعلموا أن التقوى لله والحب للأرض وأن الحق منتصر وأن الشرف بالحفاظ على الخلق، وأن الاعتزاز بالحرية والفخر بالكرامة وأن النهوض بالعلم والعمل، وأن الأمن بالعدل وأن بالتعاون قوة.
الحمد لله ثم الحمد لله. لقد أعطاني عمراً قضيته جهاداً وأمضيته زهداً، ثبتني وهداني وأعانني بإخواني، أسأله المغفرة وبه المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل. أما ما خلّفتُه من رزق ومال فهو جهد فلاح متواضع تحكمه قواعد الشريعة السمحاء”.
الجوائز والتكريمات:
- كرم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر سلطان باشا الأطرش في عهد الوحدة، وقلده أعلى وسام في الجمهورية العربية المتحدة، أثناء زيارته لمحافظة السويداء.
- وفي عام 1970، كرم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الأمير سلطان باشا الأطرش لدوره التاريخي في الثورة السورية.
- كما أطلق اسمه على الساحات العامة والمدارس، وشيدت له الكثير من التماثيل في السويداء والعديد من المدن السورية.
- تعتبر ذكرى وفاتها مناسبة وطنية، تزور فيها العديد من الأحزاب والشخصيات والمنظمات ضريحه في بلدته القريا.
- كما أصدر الرئيس حافظ الأسد أمراً بإنشاء صرح يخلد شهداء الثورة السورية الكبرى ويضم رفات قائدها العام في بلدة القريا مقابل دار سلطان باشا الأطرش. وتم تدشينه الصرح بمناسبة عيد الجلاء في 17 نيسان 2010.
- ويوم تشييعه، منحه رئيس اللبناني وسام الأرز اللبناني. كما دشن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات نصبًا تذكاريًا في مدينة رام الله تحية وفاء إلى شهداء الحامية الدرزية التي أرسلها سلطان باشا الأطرش للدفاع عن فلسطين والذين سقطوا قرب نابلس.
الأقوال:
من بيان سلطان باشا الأطرش ” إلى السلاح”:
- “إلى السلاح أيها السوريون.. يا أحفاد العرب الأمجاد.. هذا يوم ينفع المجاهدين جهادهم، والعاملين في سبيل الحرية والاستقلال عملهم.. هذا يوم انتباه الأمم والشعوب.. فلننهض من ركامنا ولنبدّد ظلام التحكّم الأجنبي من سماء بلادنا”.
- ” الحق يؤخذ ولا يعطى، فلنأخذ حقنا بحد السيوف، ولنطلب الموت توهب لنا الحياة”.
- ” لنكتب مطالبنا هذه بدمائنا الطاهرة كما كتبها أجدادنا من قبلنا.”
- في عام 1927 وبعد نفي سلطان باشا الأطرش إلى الأردن سؤل من أحدهم وهو في ضيافة أحد شيوخ عشائر الأردن، ” لماذا يا يا باشا لا تتفاهم مع الفرنسيين كما تفاهمنا نحن مع البريطانيين دون قتال أو حرب”، فنظر سلطان باشا الأطرش في عيني الرجل ملياً ثم قال :” نيال إلي ما عندو شرف”.
في ” مكتبة الأسد الوطنية” بدمشق وثيقة يعترف فيها القنصل البريطاني في المشرق لوزارة خارجيته أن سلطان باشا الأطرش رفض بعناد كبير التعاون مع بريطانيا؛ وكتب قائلاً:
- ” سلطان الأطرش لا يمكن شراؤه”.
يقول الشاعر الكبير سعيد عقل في قصيدته الشهيرة ” سائليني” والتي غنتها فيروز:
- قل لذاك الليث في آجامه واحد نحن إذا الشام تضام
- ” لو علم العرب ما جرى للفرنسيين في معركة المزرعة لاعتبروه يوماً قومياً”.
- ” إنها كارثة عظيمة ، كانت هذه الهزيمة حملاً ثقيلاً علينا وضرب قاسية لنفوذنا واحترامنا في الشرق ، إنها معركة محزنة حقاً تجلب الضيق والغم وهي شهادة ظاهرة على المصيبة التي حلت بنا ..!”
- ” لم يدر في خلدي أن يتمكن مقاتلون عزل من السلاح من الانتصار على فرقة عسكرية خاضت غمار الحرب العالمية ويبلغ تعدادها ثلاثة عشر ألف جندي مجهزين بالأسلحة الحديثة من مدافع ودبابات وطائرات مستغلين الاشتباك المباشر وعنصر المفاجأة “.
- ” لم أواجه في حياتي مقاتلاً أعزل تكمن فيه الشجاعة الفائقة مثل مقاتل تلك المعركة “.
قال الرئيس السوري السابق أديب الشيشكلي، والذي ضيق على سلطان باشا لأطرش وحاول ضرب السويداء عبر الجيس، ولكن الباشا فضل الخروج للأردن مرة ثانية، على أن يقاتل أبناء بلده:
- ” لقد وحد سلطان باشا الأطرش مرتين، الأولى عندما قاد السوريين ضد المستعمر الفرنسي، والثانية عندما رفض أن يقاتل جيش بلده..”.
المصادر:
- https://www.youm7.com
- https://www.alaraby.com
- https://www.ramadan2.com
- a9wal.com
- https://al-akhbar.com
- https://alittihad44.com
- https://ar.wikipedia.org
حقائق سريعة
- نادى سلطان باشا الأطرش في الثورة التي انطلقت من جبل العرب بدولة عربية موحّدة ومستقلة. وتمدّدت نيران هذه الثورة إلى كافة أرجاء الجغرافية السورية وشملت أيضاً قسماً كبيراً من جبل لبنان، وهدّدت الوجود الفرنسي في قلب الشرق العربي، وسجّلت صفحة مشرقة من التاريخ العربي.
- طوال حياته كان الأطرش حاضرًا في الحياة السياسية الثورية حتى في شيخوخته، وأبقته رمزيته الوطنية وقيمته الأخلاقية على اتصال دائم بالحركة السياسية السورية.
- في الكتاب الذهبي للثورات الوطنية، يوثّق الكاتب والصحافي السوري منير الريس أنّ أول قوة عربية دخلت دمشق هي قوة سلطان باشا الأطرش المؤلفة من محاربي جبل الدروز، ويقول إنّها سبقت الجيش العربي في ذلك.
- عام 1920جهز سلطان قوات كبيرة لنجدت يوسف العظمة في ميسلون ولكنه سمع نبأ حسم المعركة وانكسار الجيش العربي واستشهاد القائد يوسف العظمة فقفل عائداً للسويداء ليجهز للمرحلة القادمة.
- كانت معركة المزرعة (2-3 آب 1925) أول معركة يعترف فيها الفرنسيون بخسارتهم في مستعمراتهم في العالم كله، وتؤكد العديد الروايات أن الحملة التي تجاوز عدد أفرادها 13000 أبيدت بالسيوف والفؤوس، وأن سلطان ورجاله كان يهجمون على الدبابات الفرنسية ويخرجون الجنود منها ويقضون عليهم. كان تعداد حملة الجنرال ميشو 13000، وقد هُزموا أمام 400 ثائر من جبل العرب.
معلومات نادرة
- بيان سلطان باشا الأطرش الصادر في 23 آب (أغسطس) 1925 معلناً بداية الثورة:إلى السلاح، إلى السلاحيا أحفاد العرب الأمجاد. هذا يوم ينفع المجاهدين من جهادهم، والعاملين في سبيل الحرية والاستقلال عملهم. هذا يوم انتباه الأمم والشعوب. فلننهض من رقادنا ولنبدد ظلام التحكم الأجنبي عن سماء بلادنا. لقد مضى علينا عشرات السنين ونحن نجاهد في سبيل الحرية والاستقلال، فلنستأنف جهادنا المشروع بالسيف بعد أن سكت القلم، ولا يضيع حق وراءه مطالب.أيها السوريون، لقد أثبتت التجارب أن الحق يؤخذ ولا يعطى، فلنأخذ حقنا بحد السيوف، ولنطلب الموت توهب لنا الحياة.أيها العرب السوريون، تذكروا أجدادكم وتاريخكم وشهداءكم وشرفكم القومي. تذكروا أن يد الله مع الجماعة، وأن إرادة الشعب من إرادة الله، وأن الأمم المتحدة الناهضة لا تنالها يد البغي. لقد نهب المستعمرون أموالنا، واستأثروا بمنافع بلادنا، وأقاموا الحواجز الضارة بين وطننا الواحد، وقسمونا إلى شعوب وطوائف ودويلات، وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير، وحرية التجارة والسفر، حتى في بلادنا وأقاليمنا.إلى السلاح أيها الوطنيون، إلى السلاح، تحقيقاً لأماني البلاد المقدسة. إلى السلاح تأييداً لسيادة الشعب وحرية الأمة. إلى السلاح بعدما سلب الأجنبي حقوقكم، واستعبد بلادكم، ونقض عهودكم، ولم يحافظ على شرف الوعود الرسمية، وتناسى الأماني القومية.نحن نبرأ إلى الله من مسؤولية سفك الدماء، ونعتبر المستعمرين مسؤولين مباشرة عن الفتنة. يا ويح الظلم لقد وصلنا من الظلم إلى أن نُهان في عقر دارنا. فنطلب استبدال حاكم أجنبي محروم من مزايا إنسانية، بآخر من بني جلدته الغاصبين، فلا يُجاب طلبنا بل يُطرد وفدنا كما تطرد النعاج.
إلى السلاح أيها الوطنيون، ولنغسل إهانة الأمة بدم النجدة والبطولة. إن حربنا اليوم هي حرب مقدسة. ومطالبنا هي:
1) وحدة البلاد السورية، ساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلة استقلالاً تاماً.
2) قيام حكومة شعبية تجمع المجلس التأسيسي لوضع قانون أساسي على مبدأ سيادة الأمة سيادة مطلقة.
3) سحب القوى المحتلة من البلاد السورية، وتأليف جيش وطني لصيانة الأمن.
4) تأييد مبدأ الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان في الحرية والمساواة والإخاء.
إلى السلاح، ولنكتب مطالبنا هذه بدمائنا الطاهرة كما كتبها أجدادنا من قبلنا.
إلى السلاح والله معنا. ولتحيا سوريا العربية حرة مستقلة.
سلطان الأطرش
قائد عام جيوش الثورة الوطنية السورية